‏إظهار الرسائل ذات التسميات شعور المريض النفسي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شعور المريض النفسي. إظهار كافة الرسائل

هل المريض النفسي ذكي ؟

 

هل المريض النفسي ذكي؟

وما علاقة الذكاء بالفهم العميق والمعاناة النفسية؟**

مقدّمة:

"المريض النفسي إنسان ذكي… لأنه فهم الحياة أكثر من اللازم."
عبارة تتردد كثيرًا، وتُعبّر عن اعتقاد شائع أن المرضى النفسيين غالبًا ما يتمتعون بذكاء عاطفي أو فكري مرتفع.

فما مدى صحة هذا الكلام؟
وهل هناك علاقة فعلية بين الذكاء وبين الاضطرابات النفسية؟


أولًا: الذكاء لا يُحصن من المرض النفسي

  • الذكاء، سواء كان عقليًّا (IQ) أو عاطفيًّا (EQ)، لا يمنع الإنسان من الإصابة بالاكتئاب أو القلق أو غيرها من الاضطرابات.

  • بل على العكس… الأذكياء غالبًا ما يُرهقهم وعيهم الزائد، وتحليلهم العميق للأحداث والمشاعر.

لماذا؟

لأنهم:

  • يلاحظون التفاصيل الصغيرة التي قد تُزعجهم ولا تُقلق غيرهم.

  • يحمّلون أنفسهم مسؤولية زائدة.

  • يُحلّلون كل شيء باستمرار، حتى الأمور البسيطة.

  • يشعرون بتناقضات الحياة والناس، ويصعب عليهم التكيّف السطحي.


ثانيًا: الذكاء لا يعني القوة النفسية دائمًا

  • الذكي قد يُخفي ألمه بابتسامة بارعة.

  • وقد يعرف "لماذا" يشعر بما يشعر… لكن لا يستطيع منعه.

  • وقد يُقنع الآخرين بأنه بخير، وهو داخليًّا في حالة انهيار.

الذكاء يمنح قدرة على الفهم، لا على النجاة من المعاناة دائمًا.


ثالثًا: لماذا نعتقد أن المريض النفسي ذكي؟

لأننا نلاحظ أحيانًا في المرضى النفسيين:

  • عمقًا فكريًّا: فهم يتأملون الحياة بشكل مختلف.

  • حساسية عالية: يلتقطون المشاعر والطاقات حولهم بسرعة.

  • وعيًا وجوديًّا: يتساءلون عن المعنى والغرض والهدف.

  • تفكيرًا غير تقليدي: أحيانًا إبداعي أو فلسفي أو نقدي.

كل هذه الصفات تجعلهم "مميزين" في نظر البعض، وتخلق الانطباع أنهم "أكثر فهمًا"، ولكنها في الحقيقة لا تعني دائمًا الذكاء بمعناه العلمي.


رابعًا: هل هناك دراسات تؤكد العلاقة؟

نعم، تشير بعض الدراسات إلى:

  • وجود ارتباط بين الإبداع العالي وبعض الاضطرابات المزاجية (كالاضطراب ثنائي القطب).

  • كما وُجد أن بعض الموهوبين والعباقرة مرّوا بنوبات اكتئاب أو معاناة نفسية شديدة (كڤان غوغ، ونيوتن، وفيرجينيا وولف).

لكن هذا لا يعني أن كل مريض نفسي عبقري، ولا أن كل ذكي معرّض للمرض.
بل إن الوعي الذاتي والذكاء بدون توازن نفسي، قد يتحوّل إلى عبء داخلي.


خامسًا: ماذا نفهم من ذلك؟

  • أن الذكاء لا يعفي الإنسان من الألم، بل قد يجعله أكثر وعيًا به.

  • وأن المريض النفسي لا يُستهان به، لا من حيث وعيه ولا من حيث قوته.

  • وأن الفهم لا يقتل الألم… بل قد يجعله أعمق.


خاتمة:

ليس من الضروري أن يكون المريض النفسي عبقريًّا، لكنه غالبًا "شديد الحساسية، واسع الإدراك، عميق التأمل".
وهي صفات قد تُرهقه… إن لم يجد من يفهمه ويحتويه.